الجمعة، 17 أغسطس 2012

نهاية وبداية

الليلة الأخيرة، أو ربما الساعات الأخيرة، من رمضان..
وأهم أحداثه هذه السنة، بالنسبة لي، هو وفاة والدي رحمه الله عليه، وأنني سوف أستقبل العيد دونه.

لا أذكر من قال لي يوما: "يعيش الانسان طفلا، حتى إذا مات أبويه شاخ فجأة"..لا أعلم ان كان صدق، لكن التغير الشديد الذي يطرأ على الانسان يجعل هذه المقولة حاضرة في ذهني بينما أتكلم..

عانى رحمه الله كثيرا وتألم، لكنه كان صابرا كالجبل، مع ذلك كنا ننتظر شفاءه، كان قد تماثل للشفاء فيما نرى، وكان يجمعنا حوله، فالنهاية قريبة فيما يرى..وما من نهايات انما هي مراحل..

أن تكون حزينا..

مع اقتراب الفجر تلح علي الأفكار والصور..
"اتصل بالدكتور يا أحمد، أبوك تعبان ومش عارفة أعمل ايه"..
ضغط الدم غير مقاس..
محاولات لتركيب محلول الملح تفشل دائما..
طلب الاسعاف..
أحمله إلى السيارة مع المسعفين، أنظر إلى وجهه من فوق كتفي، أراه هادئا كأنما لا يعنيه شئ..
"وحدك تأتي معي"..
CODE BLUE
يخرجني مسؤول الأمن من غرفة الانعاش..
"لا يبدو الوضع جيدا، يمكننا مواصلة الانعاش إلى مالا نهاية، لكن إذا لم يستجب في نصف ساعة فلن يستجيب، ونحن نقوم بذلك منذ ساعة ونصف!"
أذان الفجر..
"البقاء لله"..

هكذا يختطف الموت البشر إذا..تكون غافلا عنه، ناسيا له..حتى إذا ألم بك تجاهلت كل علامات الاحتضار، هكذا كان حالي أنا معه..صامت تماما في حضرته، لكن رأسي يمتلئ بالصراخ..
"عن أي شئ يتحدثون؟..مجرد انخفاض في الضغط، هل عجزتم أيضا عن اعطائه محلول الملح؟!"

أستأذن الطبيب داخلا إلى الوالد لألقي نظرة، لا يبدو لي ميتا..ليس إلا أن أوقظه!..أناديه فلا أعرف صوتي..أحاول أن أكلمه فأصمت..
يخرجني الطبيب، يطلب مني الجلوس قليلا ثم احضار أوراقه الثبوتية لانهاء الاجراءات..

بطريقة ما أنتقل إلى البيت وأنا أحمل الجبل على رأسي..
"ماذا أفعل؟".."كيف أعود بدونه؟".."ماذا سأقول؟"

أن تكون راضيا..

"فإن مع العسر يسرا"
لا أظن كربا قد مر بي يوما بهذا الثقل..لكن الله أعانني ولطف بي حتى رضيت..

أن تؤدي أمانة أبيك، فتدفنه كما أوصى، ومع أول فرض صلاة، وتغسله وتلحده بيديك كما أوصاك، عن غير خبرة سابقة بما تفعل، وتتفتح لك كل الأبواب المغلقة في كل مكان، ويسهل لك الجميع آداء مهمتك كأنما هي تؤدى عنك..
يطيعك أكثر الناس تسلطا، ولا يستوقفك أكثرهم تعنتا، الطرق مفتوحة، وكل أحد وشئ يعاونك..

تحمل أباك فكأنما هو محمول عنك، لقد كان ثقيلا، منذ شهرين حملته بينما كان فاقدا الوعي، لم أستطع تحريكه واضطررت للوقوف حتى أفاق، يومها تطير جنازته من فوق أكتافنا وما نحن إلا أسباب، لكنها حملت عنا..

تغسله بنفسك كما أراد، لا يدخل إليه غيري وأخي ومغسل أمين جزاه الله عنا خير الجزاء..فتراه نائما لا أكثر، تطيبه بالمسك والكافور، وتضعه في ثلاثة أكفان..

أن تظلك غيمة بعد تلقي العزاء عند المقبرة، وتطمئن أمك بمرأى المقبرة، أن تعود وقد أديت ما عليك لهذا اليوم، لتدعو الله أن يعينك فيما هو آت كما أكرمك اليوم..

كل هذا لا تغفل عنه في حزنك..فالحمد لله..

أن تكون ممتنا..

"إن مع العسر يسرا"
ترك لك أبوك الذكر الحسن، ومحبة الناس..يأتونك جماعات، ليعزوك ويؤازروك، يعرضون خدماتهم بود صادق، ولا تمر أيام حتى يعتمر عنه العشرات من أصدقائك وأصدقائه ومحبيه..

تسمع الثناء عليه والشهادة له بالصلاح وحسن السيرة، يأتيك من لم يعرف في حياته لكنهم جاؤوا لما سمعوا من حسن سيرته أو مما فعل من خير عاد عليهم يوما ما..

لا يترك الأب لأبنائه خيرا من ذلك، حتى سخر الله الخضر لأبناء العبد الصالح..لتكن ممتنا..

وإنا لفراقك لمحزونون..

لا زلت أوقف السيارة قريبا لباب البيت ربما يود أبي الخروج..
لا زلت أفكر كلما رأيت صيدلية "هل طلب شيئا؟"
لا زلت أنتظر موعد الإبرة..
لا زلت أتوهم أنه يناديني أحيانا، أو أن رنين هاتفي هو نداء منه..
وعندما يمر بي موقف ما، أفكر "ماذا سيقول أبي؟"..

***

نحن الآن بانتظار العيد، أو اليوم الأخير من رمضان، وفي الحالين أوصيكم بالدعاء، كل عام وانتم بخير..
والحمد لله رب العالمين..

هناك 12 تعليقًا:

  1. رحمه الله واسكنه فسيح جناته .. لم اقابله الا مرة واحده واقسم انه دخل قلبي من تلك اللحظة .

    ردحذف
    الردود
    1. آمين، لطالما سأل عنك بعدها :) ادع له..

      حذف
  2. الله يعينك على فراقه و يجعل مثواه الجنة

    ردحذف
  3. إن مع العسر يسرا
    الحمد لله ان مع كل عسر يسر يلازمه يثبت به عبده ليهون عليه وقع الصدمة الأولى .. فينال الصبر عندها
    صبرا يحيله ليقوم بواجبه ويقوم مقامه ويؤدي ما ائتمن عليه بوجهه الجيد ..فيكفي ويوفي ويقرّ أعين من أصيبوا بمصابه

    ثم إذا ما اختلي العبد بربه ليكفيه ويغنيه عن الناس بحنانا من لدنه لطف الله الذي لا يدانيه لطف ..
    لطف يقوي ويعين على شدائد الدنيا جمعاء
    الحمد لله انه بصير رحيم بعباده ..يقدّر لهم البلاء ويقدّر معه صبرا ورضا ً يليق بمقام بلاءه ..

    ردحذف
    الردود
    1. الحمد لله..رزقنا الله الصبر والرضى..

      حذف
  4. أقريب الموت لهذه الدرجة ؟
    ضغط أو محلول ملح أو حتى توقف قلب .. أسباب فقط
    و تبقى الحقيقة الواحدة .. لا بقاء إلا لله
    لا أذكر تماما إن كنتُ علمتُ بخبر مرض الوالد قبل أو بعد وفاة جدي رحمه الله .. لكنني أذكر أنني عندما فقدته دعوتُ الله أن لا يذيق قلبك و قلب شقيقتك مرارة هذا الفقد ..
    كنتُ أظنّ أن دعوتي ستستجاب بشكل شفاء الوالد ربما .. و كأن المرض يقربنا للموت أو يبعدنا عنه .. أحيانا تكون دعواتنا ساذجة :)
    و لكنني أراها اليوم استُجيبت بشكل آخر ..
    أنظر حولك .. كم من قلب فقد عزيزا فجزع .. و كم من قلب صهره الفقد كما تصهر النار الذهب،فيُنقى من كل شائبة .. فاستحال رضا عن الله ..
    فاستخرج من نازلة نزلت به كل جميل و طيب و امتنان ..
    لا حرمكم الله فضله .. أولئك الناس كلهم أيضا سبب يا أحمد .. تلك هي يد الله حين تربت على قلوب صافية ..
    و سبحان من يجعل المحن منحا ..
    أعانك الله على مسؤولية، أنت لها بإذن الله
    و سلامي لأفنان :)

    ردحذف
    الردود
    1. كأنني قلت للطبيب معترضا، في صورة اقتراح:
      - حاولنا حقنه بمحلول ملح لزيادة الضغط؟
      وكأنما فهم ما افكر فيه فأجابني:
      - كان عنده سكر صح؟
      أهز رأسي أن نعم..
      - هل شعر بآلام في الصدر؟
      أهز رأسي بأن لا..
      - أحيانا يتسبب السكر في جلطات في القلب وأحيانا لا تكون الجلطة مؤلمة..

      أنظر إليه صامتا مبهوتا!..ما أحمقني!
      غاية ما تعرف عن هذه الحياة أمر الجسد، وغاية ما تعرف عن الجسد محلول الملح؟!

      عندما رأت أمي تقرير الوفاة ابتسمت بغرابة، قالت: يقولون، هبوط في الدورة الدموية وتوقف القلب أدى إلى الوفاة!..كيف يفكر هؤلاء الأطباء؟
      هل هبوط الدورة الدموية وتوقف القلب هما ما أديا إلى الوفاة؟..أم أن الوفاة هي ما أدت إلى هبوط الدورة الدموية وتوقف القلب؟!

      اللهم لا تجعلنا ممن (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون)

      حذف

  5. اللهم يا حنان يا منان يا وسع الغفران اعغفر له ارحمه وعافه واعف عنه وا كرم نزله وواسع مد خله
    واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطا يا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس

    اللهم ابدله دار خيرا من داره واهلا خيرا من اهله وزوجه خيرا من زوجا وادخله الجنة اعذه من القبر ومن عذاب النار

    اللهم عا مله بما انت اهله ولا تعا مله بماهوا هله اللهم اجزه عن الاحسان احسانا وعن الاسا ءة عفوا وغفرانا

    اللهم ان كان محسنا فزد فى حسناته وان كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته يارب العا لمين

    اللهم انسه
    فى وحدته وانسه فى غربته

    اللهم انزله منازل الصديقين والشهداء والصا لحين وحسن اولئك رفيقا

    اللهم اجعل
    قبره روضه من رياض الجنة ولا تجعله حفرة من حفر النا ر

    اللهم افسح له فى قبره مد بصره وافرش قبره من فرش الجنه

    اللهم اعذه من عذاب القبر وجاف الارض عن جنبيه

    اللهم انقله من مواطن الدود وضيق اللحود الى جنات
    الخلود فى سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفا كهة كثيرة لامقطوعة ولا ممنوعه وفرش
    مرفوعه

    اللهم احشره فى زمرة المقربين وبشره بروح وريحان وجنة نعيم
    اللهم احشره مع اصحاب اليمين
    واجعل تحيته سلام لك من اصحاب اليمين

    اللهم بشره بقولك ( كلوا وشربوا هنيئا بما اسلفتم فى الايام الخالية

    اللهم ارزقه بكل حرف من القران حلاوة وبكل كلمة كرامة وبكل اية سعادة وبكل سورة سلامة وبكل جزء جزاءه

    اللهم يمن كتا به ويسر حسابه وثقل با لحسنات ميزانه وثبت على الصراط اقدامه واسكنه فى اعلى الجنات
    جوار نبيك ومصطفاك محمد صلى الله عليه وسلم

    اللهم امنه من فزع يوم القيا مة ومن هول يوم القيا مة واجعل
    نفسه امنة مطمنئه ولقنه حجته

    اللهم اسكنه فسيح الجنان واغفر له يارحمن اللهم اغفر وتجاوز عما

    تعلم فانك انت الله الاعز الاكرم

    ردحذف
  6. النبع الصافي9 سبتمبر 2012 في 6:29 ص

    رحمه الله رحمه واسعه رحمه الله بدمع العين بحرقه في القلب والم يعتصر النفس رحمه الله واسكنه فسيح جناته وجعل قبره روضه من رياض الجنه وجعل قبره نورا وضياءا وسرورا ونعيما مقيما

    ردحذف
  7. ربنا يرحمه و يجعل مثواه الجنة باذن الله و يجعل قبره روضه من رياض الجنة و ربنا يلهمك الصبر و السلوان ولاسرة جميعا

    ردحذف