الثلاثاء، 3 سبتمبر 2024

بينما كنت أقطّع البطيخة

 

تذكرت مسرحية قديمة "الزعيم" عندما كان عادل إمام يدعو للحاكم بأن ينال كل المشتهيات، من وجهة نظر شخص بسيط، فخيار وجزر ومانجا وبطيخ..ولمّا أراد المبالغة، وخلق نعيم أرضي غير مسبوق عقّب قائلا "منغير بذر!"

قمّة النعيم المتخيّل في ذهن مواطن مصري بسيط من الثمانينيات أو التسعينيات، أن يأكل البطيخة فلا يجد فيها البذر، لأنه مش معقول "الزعيم لسة هيتفتف"!

لا أعلم إن كان عادل إمام نفسه كان يعلم أن هذا الصنف متاح في الأسواق حديثاً وقتها (منذ خمسين سنة لليوم)، لكننا لم نعلم يومها أن هناك بطيخ هجين لا يحمل بذوراً..وظللنا نضحك على النكتة لسنوات، نكتة لا أحسب أن طفلتي يمكنها أن تفهمها يوماً، لو سمعت بها أصلاً.

قادني هذا إلى تأمل حال أهل هذه البلاد، عندما أتيت إلى الولايات المتحدة، لأول الأمر، كانت من أولى ملاحظاتي أن الـconvenience قتلهم!..إن هذه الكلمة لا أعلم لها نظيراً في لغتنا، هم يترجمونها بألا يقاطعك شئ..فحتى البذرة، لا يجب أن تقاطعك عن أكل البطيخ!

يقاطعك عن أي شئ؟..يا "سير"؟!..حقيقة لا نعلم..فالكل يبحث عن هذا الـ convenience، حتى في النزهة والاستمتاع بوقته وأكل البطيخ.

لا يتقبل الناس هنا فكرة أن الدنيا لا تصفو لأحد، وأن كدر الحياة هو جزء منها، لذا يسعون لانشاء فردوس أرضي لا يظنون أنهم سيلاقون غيره، ورغم أثر ذلك على مفردات الحياة المادية، من سعيهم للتحسين المستمر فيها، لكنه في المقابل خلق لنا إنساناً لا يطيق ولا يتحمل أن يسمع كلمتين، أو أن يفكر في موضوع ما أعمق من ظاهر الحياة الحالية، أو يسمع عن قضية لا تؤثر على مفردات حياته المادية الضيقة، أو حتى في بعض الأحوال، أن يبني علاقات وصداقات..ناهيك عن أن يتجاوز عن تقصير في خدمة أو يقيل عثرة مخطئ.

بالنسبة لكثير من الأمريكيين، أو ربما الغربيين على عمومهم، فاستيقاف داعية لك في قارعة الطريق، أو قس، هو inconvenience، وكثيرا ما تجد لوحات "ملكية خاصة، ممنوع التبشير" حتى لا يطرق بابك داعية ما إلى دينه ويكلّمك..لا تضيّع وقتي!..أرجوك!

بالطبع، فالرأسمالية تلعب دورها في ذلك، فأنت، يا زبوني وعميلي العزيز وبقرتي الحلوب، أنت أول الأولويات، نحن هنا لخدمتك وتدليلك ولنسقيك من متع الحياة "مادام حتدفع"، متع الحياة التي لم تكن تدرك وجودها أصلاً كما لم تكن تدرك أن لدينا بطيخاً بلا بذر وأناناس وردي (لا ميزة له سوى التفاخر) وشراباً أزرق فوّار بطعم التفاح (كان تقليعة مراهقتي، هل لازال موجوداً؟)، سنحل لك المشاكل التي خلقناها نحن لتشتري الحلول، ونلبي لك الرغبات التي لم تكن لترغب فيها ابتداء لولا أن رغّبناك فيها.

وكما هو حال كل الناس، فمنهم من ولغ في هذا المستنقع إلى آخره، ومنهم مستبصر أدرك المشكلة وحجمها وانطلق يبحث عن حلول من مقل ومستكثر، فمن حِكَمٍ تبدو لك سطحية عندما تسمعها من سياقات خارج حياة الغربيين من نوعية "اهتم واستمتع بعلاقتك بأسرتك فهم أهم من أي شئ آخر"، مروراً بفلسفات واطروحات اقتصادية وسياسية بديلة، وصولاً للبحث في العقائد والأديان..وكثير منهم يتمنى لو كان حاله مختلفاً، كثير منهم يتمنى لو أن لحياته قضية تتجاوز المادة الظاهرة، كثير منهم يتمنى لو أنه كان أقدر على بناء علاقات إنسانية أعمق من علاقات مندوبي المبيعات ورجال الأعمال، لكن كثير منهم أيضاً وبعد أجيال طويلة، قد ضلّوا الطريق لحياة مختلفة!

أخيرا سقى الله أيام بيت جدي عامراً، لما جمعنا بذر البطيخ وحمّصناه وأكملنا عليه سهرتنا إلى الحادية عشرة مساء.

الأربعاء، 1 يوليو 2020

هل سأكتب؟

كلما مررت من هنا، تداعت الذكريات سريعاً..كيف بدأت التدوين، كيف تبدلت الحياة وتوالت السنون تباعاً، كيف انخرطت في وسط التدوين المصري، في مارس 2005، أتذكر من عرّفني بهذه الفكرة، وكان ذلك تقريباً آخر عهدي به، اتصفح المدونات القديمة (نعم، لازلت استطيع الوصول إليها!) وأستذكر الاحداث وما دعاني لكل منها..
أشتبك، كما فعل الآخرون جميعاً (تقريباً) وأخوض فيما خاضوا فيه، الحالة السياسية المصرية، وكيف كنت أكتب فيها وقتئذ، كأنما أكتب في جريدة ما، تحليلات، ملخصات، رأي..أنأى بنفسي عن قضية وأخوض في أخرى، أتذكر التعليقات ومعارك التعليقات..لقد كان الأمر مسلياً..

أتذكر أبي، ولومه لي فيما يراه مخاطرة..
وحماسي في المقابل، كيف كنت عنيداً، كأن ما أخطه هو شذرات الحكمة والعلم الذي أخذ الله ميثاقي لأبيننه للناس ولا أكتمه!
صفحة فصفحة، كلمة فكلمة، حتى جاء اليوم، أنظر خلفي، كم منها ذو قيمة اليوم؟!
مشيت الطريق لآخره، اشتبكت مع آخرين، كتبت عن هذا وذاك، واليوم أجد أن كثيراً مما كتب، خاصة في شأن السياسة، لو سلّمت بضرورته يوم أن كتب، فقد انتهت اليوم صلاحيته!

كلمة انتهت صلاحيتها قبل موت صاحبها لهي جديرة في نظري أن تسمّى هذراً..

كلماتي التي انتهت صلاحيتها على مرأى عيني حتى ما عاد لي شعور تجاهها، لا من فخر ولا خزي، لا من شفقة ولا اعتزاز..لا شئ أبداً!..تشبه الجيف الذي دفن في باحة بيتي الخلفية، لو أنني زرعتها بما هو أنفع؟
بما يبقى من بعدي، وينفع الناس؟..يكون صدقة عني جارية؟

وما عساه أن يكون؟..ماذا كنت أعرف؟ وماذا كان يسيطر علي من هم أكبر من هذا الهم الذي خضت في أمره؟ وهل كنت مصيباً فيما مضى؟..وهل أنا مصيب اليوم فيما أقول؟

هل سأكتب؟..
لا!..ليس من باب العادة، ولا ملء الفراغات ولا تسلية المجالس، وبالتأكيد، ليس للخوض مع الخائضين..

فإن رزقني الله ما أحسبه رزقاً حسناً فتح علي به، كتبته..وإلا فلأحتسب عند الله صمتي والحمد لله رب العالمين.

الخميس، 25 يونيو 2020

إلى المريخ، ذلك أفضل جداً..

اقترح علي أحد الأصدقاء أن نتطوع في المهمة الأولى لاستيطان المريخ..
هي فكرة رائعة جدا بالنسبة لي بالطبع!..نحن نتحدث عن حاجز جديد ومرة أولى، ومكان بعيد عن كل هذه الأمراض التي ملأت الأرض، صفحة بيضاء تبدأ فيها كتاباً جديدا للتاريخ الانساني..
***
كتبت هذه المسودة في آخر يناير 2013، لم يذهب أحد إلى المريخ إلى اليوم، كل البشر اليوم على الأرض يصارعون الوباء..
لم أسع لرحلة المريخ ولا خطوة، نعم هي مرة أولى، لكنها أيضاً كانت مرة وحيدة، لم يكن مخططاً للرحلة أن تعود..

الثلاثاء، 23 يونيو 2020

الخرافات المريضة (الحقائق البديلة)

كلما فكرت أننا قد تجاوزنا عصر الخرافات والترهات الاعتقادية والتفكير غير العلمي، صدمت بترهات غريبة الشكل، وفي آخر مكانٍ أتوقع وجودها فيه!
أنا لا أتحدث أبدا عن خرافات أسمعها في مناطق شعبية فقيرة ينتشر بينهم أفراد متواضعي التعليم، ولا عن أمور من تلك الترهات التي اعتادتها أسماعنا عن أفراد يؤمنون بالتنجيم أو قراءة الأبراج أو الشعوذة أو ما إلى ذلك (وإن كان في تلك القصص ما يثير السخرية)، لكنني أتكلم عن ترهات تبث على منابر دعاة وعلماء وسياسيين من مختلف الاتجاهات، ثم يتناقلونها ويبنى عليها ويروى فيها القصص..
***
كتبت ما سبق في 2016، لا أذكر أنني سمعت وقتها مصطلح "الحقائق البديلة"، الذي صكه ترامب لاحقاً، اليوم من باب الفضول، أمر على المدونة لأقرأ هذه المسودة، وأضحك!

الخميس، 30 يونيو 2016

لا تحاول!

- هل تعرف فيم أفكر الآن؟
"بالطبع أعرف!" أجيبه بكل ثقة!
تتعلق عيناه بي في فضول، بينما أستطرد: أنت تفكر في هذه اللحظة "كيف سيجيب سؤالي" بكل تأكيد!
أبتسم في ظفر بينما أنظر لوجهه الواجم: "لا يمكنك في هذه اللحظة بينما تنتظر اجابتي أن تفكر في شئ آخر يا صديقي!..لا تحاول الانكار"

أيامنا التي كانت

ولما كنت تدخل من بابه الزجاجي، تجده في حجم دكان على غرار الدكاكين المصطفة حوله من مطاعم ومتاجر، وعلى يسارك درج صغير يوصل إلى العلية، فيما جدرانه تحوي رفوفاً متصالبة على طراز مغربي، امتلأت بما لذ وطاب من الكتب.

 في الصالة أمامك، تتناثر المقاعد الوثيرة مرحبةً بك ومغرية إياك بالجلوس، بامضاء الوقت كأنما أنت في بيتك، شئ يسير من السجاد وأصص النبات جعلت المكان مستراحا للقلب والنظر، وتلك الكوّة الواسعة المطلة على المطبخ أكملت وسائل الراحة وأغنتنا عن الخروج إلى غيره، تجدنا متى حللت فيه، نكتب، ننظّر، نقرأ، نقيم فعاليات مختلفة بأقل التكاليف ودون تعقيدات..كان مساحة تحوينا جميعاً، بميولنا وامكاناتنا المختلفة، وبلا قيود تذكر، فقط كن نفسك وتآلف مع من حولك، فصار لسنوات مقراً لنا وﻷعمالنا دون أن ينال منا جزاءً أو حتى شكوراً.

لعدة سنوات بدا لنا فيها أن المدينة التي عرفناها، بقيودها وتعقيداتها ومحدودية الخيارات فيها، قد سمحت لنا أخيراً بمتنفس، بساحة من طابقين نعبر فيهما عن دواخلنا، ونستثمر فيها فضول أوقاتنا وطاقاتنا، نلتقي بحرية، نتعارف بأشباهنا، نقضي وقتا في فعل ما نحب.

ﻻ شئ من هذا بقي، تعلم أن حديثاً يحمل كل هذا الحنين يا صديقي، هو حديث عن ماضٍ ولّى، وعن أيامنا التي كانت، قبل أن تحاصرنا قوى الظلام وغربانه السود.

الأربعاء، 31 يوليو 2013

أكبر دروس 30 يونيو

أكبر دروس 30 يونيو في تقديري هو:

طول اللسان مفيش أسهل منه، في وقت مرسي كان النضال ضده ببلاش، والكلام عليه بالحق والباطل على السواء، لكن كان معظم ما أرى وأقرأ في هجائه ليس إلا تعليقات على مظهره، أو تصرفات عفوية صدرت منه لم تلفت انتباه أحد سوى متصيدي الاعلام المصري..

طبعا دي عبارة عن حركة بلدي قديمة جدا يلجأ لها المصريون كلما أرادوا (أو أراد بعضهم) اسقاط هيبة الفرعون، بالمناسبة قرأت عن مقلب يروى انه المصريين عملوه في الحاكم بأمر الله (شخصيا) أثناء مرور موكبه للسخرية منه..

وبغض النظر عن كون مستوى حرية التعبير، في الشوية اللي قعدهم معانا مرسي، كان استثنائي فعلا في كل تاريخ مصر ومكنش فرعون ولا حاجة..لكن نفس الحيلة استخدمت معه لاسقاط هيبته (وهو كان متخلي عنها ابتداء) ونجحت بسرعة..

الدرس: أنه طول اللسان مفيش أسهل منه، نفس الشئ يمارس اليوم ضد رموز الانقلاب، ومفيش بني آدم إلا وله صور ولقطات يمكن استخدامها للانتقاص من قدره وإيهام الناس بأنه معتوه أو طري أو ما شابه، حتى لو كان عبارة عن واحد متحدث عسكري قاعد يفطر مع إسراء عبدالفتاح مثلا..وممكن جدا تحرف أي اسم وتخليه شئ مشين حتى لو كان الاسم هو عدلي طرطو..قصدي منصور..

وده يا جماعة درس للمستقبل، يعني الاخوة الناجين اللي هيتبقوا في بلدنا بعد ما يعدي كل ده..يحاولوا يتعلموا يكونوا موضوعيين في أحكامهم وآراءهم، وانه التنكيت وخفة الدم شئ جميل لكن الفكاهة شئ، ومصلحة الناس والمجتمع شئ تاني خالص..