الأحد، 23 ديسمبر 2012

من أعمالكم..

يصلني رابط فيه فيديو ممنتج لأحد المشهورين بالدعوة، امتلأ الفيديو بالسباب والخطاب الهجومي، جمع من كلامه على مدى أشهر وربما سنوات، منذ بدأ هذا الداعية اعتماد أسلوب التدوين المرئي، أشاهد الفيديو في أسف، أضحك في بؤس لأقول: "من أعمالكم سلط عليكم"
***
يحدّق الرجل في الكاميرا بشكل حاول أن يكون مخيفاً، فخرجت النتيجة مضحكة، أنا أعرف جيداً فيم يفكر، لقد مررت بكل هذا من قبل، لقد نال من مراهقتي مساحة كبيرة، في ذلك الوقت عندما كان الاسلاميون طرفاً مستضعفاً قد تسلط عليه ضغط نفسي وأمني كبير، سخرية وتسفيه وتهم تفرد لها ساعات طويلة في قنوات الاعلام وصفحات من المجلات والمطبوعات الرسمية وشبه الرسمية، فيما لا مجال يترك للرد، في هذه الحالة، وعندما كنا بهذه النفسية المأزومة، كان يرضينا أن نسمع من يرد قولهم، ويسفه عقولهم، ولم يكن لدينا إلا منابر الدعاة والمشايخ، ثم تسجل أقوالهم في شرائط الكاسيت، وتحول إلى ملفات رقمية تصبّر هؤلاء الشباب على ما يلاقون من أذى، يصبّرهم لا شك أن يسمعوا هذا الرجل يهزأ بتلك النسوة الجالسات بملابس غير محتشمة ليتحدثن في سفاهة في أمر "التين" (الدين)، ويرد على ادعاءاتهن التي لم تكن تستحق الرد أصلاً، لولا أن مشاعرنا قد تأذت فاحتجنا لأن يرد أحد ما على هذا الهراء والتسفيه..كان يسعدنا رده على تلك "المجلة النجسة" وتطاولاتها، وحتى، على شيخ الأزهر والمفتي (المفتن) لأجل مواقفهما المهترئة المستفزّة..

وكانت هذه التحديقة، لطالما شاهدتها من أحدهم عند حديثه عن "عزة المؤمن"، وعن "القوة في الحق"، عن "عمر بن الخطاب رضي الله عنه"، هذه القوة التي يظهرها لهم..نحن لسنا ضعافاً، نحن أقوياء كبلال بن رباح، إذ يحدّق في عيني معذبه قائلاً "أحدٌ أحد!"، وسنطأ صدوركم يوماً كما وطأ بلال صدر معذبه يوم بدر..
***
كنا حقيقة نطرب لما نسمع، أنا أحد من كان يطرب لسماعه، مراهق يشعر بالظلم، بكونه قد صنّف وقد أهين ما يحترمه، ظهر له يوماً من يهاجم هؤلاء الذين صنّفوه وسفّهوه وبطريقة مضحكة ساخرة، "ياللروعة! كم هو ظريف!"..كيف كنتم تظنون أن أفكر؟!
لا أظنني كنت متجاوزاً على أي حال، ففي تلك الحالة يوم يعطى سفيه كل شئ، كل المنابر، وكل الحرية، للتطاول عليك وتسفيهك والافتراء والكذب الصريح عليك، ثم أنت تجد نفسك مهدداً على أي حال، لن تكون متجاوزاً إن رددت بلسانك فأغلظت في القول!..بديهي!

لكن شيئاً ما خطأ، ثم خلل ما قد طرأ على هذه المعادلة، فبعد قليل ذابت الفوارق، وكأن بعضنا قد (نسي نفسه)، فأصبح الأسلوب الغليظ هو أسلوبه وطريقته، وصار الإغلاظ في القول هو ما يحسنه..شئ ما خطأ قد ارتكبناه، بأن يصبح بعضنا نجوماً لأنهم كرّسوا وقتهم في الرد على الآخر وادعاءاته وتسفيهه (مهما طغى وفجر)، فافتتنوا بفعلهم لاستحساننا له حتى صاروا لا يحسنون غيره، ونسوا الفرق بين من تختلف معه ومن يفتري ويكذب ويظلم، بين العاصي (أو حتى الكافر) الذي تتمنى هدايته وبين من كان حذاء ومركوباً لسلطان جائر وعصا يضربك بها..وظهر ذلك أول ما ظهر يوم وقف الدعاة لبعضهم البعض، يتصيدون لبعضهم الأخطاء ويتبادلون الردود والنقد وربما السباب أحياناً..ولم يكن هذا في نظرهم إلا (قوة في الحق)، فلن تختلف مع أحد إلا لكونك تراه على باطل، ومادام على باطل فما مزيته على غيره كي لا أجيبه كما أجيب غيره من أهل الباطل؟!

شئ ما خطأ قد ارتكبناه، يوم بحثنا عن ارضاء أنفسنا وتهدئة غضبنا والتشفي في خصومنا، وأهملنا الصبر على الظلم والأذى من الناس، فصنعنا طبقة من المشايخ والدعاة يجنون التقدير والقبول الاجتماعي بغلظة القول وسوء اللفظ،  فكانوا قدوة لبعض أغمارنا في هذا (وليس في غيره مما كان لهم فيه فضل)، وكانوا أيضا نقطة ضعف وبقعة في ثوب كان يجب أن يكون ناصعاً، استطاع منها البعض أن ينتقص كل الدعاة والمشايخ لوجود مثل هؤلاء!

كنت غافلا عن كل ما سبق، حتى استيقظت فجأة منذ شهر، أو يزيد، بعد مشاهدتي لذلك الفيديو، وتلك الصدمة عندما ترى أن بعض من احترمت في شبابك الأول قد شان نفسه أو أتاح لأحدهم أن ينتقصه، فكرت وتأملت طويلاً، وكان هذا ما وصلني، وترددت كثيراً في كتابته ونشره..

السبت، 17 نوفمبر 2012

البحر وأهله


ساحليّ بالولادة، كل مدينة قدّر لي الحياة فيها كانت ساحلية، على تعدد أسماء البحار، لكنها جميعاً متصلة، هو الماء، سطح واحد يغطي هذا الكوكب..

لأهل الساحل طابعهم الخاص، وبينهم كثير من المشترك، ليس الأمر أن تشارك صديقاً قاهرياً مائدة ليعلق بتذاكٍ عن طريقة أكل أهل الساحل للسمك، فتضحك في سرّك إذ صرت سفيراً لأهل الساحل عند صديقك الذي صار يعمم كل ما يرى منك على أهل الساحل..

ولا أن تسعد بمؤاكلة ريفي يترك لك كل (الجمبري، الروبيان، القريدس) ناظراً إليك شذراً بينما تلتهمه وحدك بكل استمتاع..

ولا أن يدعوك صديقك البدوي الأصل لمائدة من سرطانات البحر لتعلمه (كيف تؤكل هذه؟)

ولا حتى أن تنفجر ضاحكاً لتسمية فتاة جبلية الأصل سرطانات البحر بالـ(عقارب)

كل هذه مظاهر لا أكثر، صحيح أنها تعبر عن جزء هام من ثقافة أهل الساحل وعاداتهم، وأحد المشتركات بين ثقافة أهل السواحل في كل بلاد العالم، لكن ثم آثار أكبر في توجهاتهم وأفكارهم، فهم بوابات بلادهم إلى العالم، هم الأكثر انفتاحاً وأقل محافظة وأقل تعصباً، كما شرح ذلك ابن خلدون في مقدمته..

هم كذلك حماة البلاد وخط دفاعها الأول دائماً، ولا سيما هم في تاريخ الاسلام، المرابطون الأبطال، وأهل الثغور، أجر شهيدهم بشهيدين من مجاهدي البر، هم الأبطال الذين سطّروا الملاحم..من حالهم ما رآه ابن بطوطة في رحلته إلى الاسكندرية، وما عرفت به طرابلس الشام وصيتها في الجهاد، وعكا وحيفا ودمياط والسويس وبورسعيد، كما غزة تسطّر مجدها إلى اليوم منذ سنين..

هناك عند الساحل، هواء نظيف، وبشر يعتاشون على ما في البحر من كنوز، طعام وملح وتجارة وحلي، نعمة امتن الله بها على عباده لا يعرف قدرها مثل أهل الساحل..فهو سبب غنى أقوام وذل آخرين، في أصعب أيام حصار غزة، كسر الحصار بحراً، وروسيا العملاقة لا تجد سواحلاً صالحة للملاحة إلا في البحر الأسود، لتكون تحت رحمة تركيا التي تسيطر على البوسفور، وعيون العالم مصوبة على مصر، يخشى من أي توتر يعطل السير في قناة السويس، شريان العالم..لذا يعلم قادة الدول أهمية البحر كما يعلم أبناؤه..

هناك عند الساحل تمتلئ البلاد بالغرباء، يعيشون جنباً إلى جنب مع أصحاب البلاد، يبقى بعضهم ويرحل البعض، يشكلون مزيجاً ثقافياً واجتماعياً ثرياً، لطيفاً، مرحباً بالآخر دائماً، بينما تختفي، أو تكاد، بينهم القبلية والعصبية المقيتة، هم أكثر تواضعاً، لأنهم أكثر علماً، هم انفتحوا على العالم وخبروه، فلم يعيشوا وهم الشعب المختار، وقد رأوا كيف أن لكل قوم علم وفن..

وبعد، يصمهم البعض افتراءً، عن جهلٍ او حسد، فمن يخشى البحر يصف البحر بالغدر بدلاً من الاعتراف بجهله به، وكذا يوصم أهل الساحل كما وصم بيتهم، أو يوصمون لأنهم ليسوا أنقياء العرق، وكأن نقاء العرق مقصد في حد ذاته لأي سبب، أو يهملون في بعض الأقطار، ببساطة لأن الحاكم يفضل دائماً أن تكون عاصمته بين الأكثر تعصباً وحماسةً له، وهم غالباً ليسوا أهل البحر، الطموحين المتطلعين لبلاد الناس وأحوالهم، القادرين دائماً على مقارنة ما أعطاهم الحاكم وما يعطاه غيرهم في بلاد الناس..

لكن ما عليهم من كل ذاك؟..أن تكون ساحلياً، سيعلمك أن تكون كما البحر قادراً ببساطة على تجاهل كل سفاهات الآخرين، تماماً كما لا يغير ماء البحر اساءاتك ومخلفاتك، فهو أكبر من كل اليابسة، وهو من يحمل الدرّ في باطنه، وهو من لا غنى لك عنه!!

الخميس، 18 أكتوبر 2012

صديقي العنيد

- بالمناسبة لقد عرفتُ عمن تتكلم!
ترتفع هرموناتي مستثارةً في تحدي..
أتصنع الغباء، ألتفت نحوه، "مستبعد جداً!"..أنظر إليه بعينين ضيقتين مليئتان بالشك بينما يدور رأسي، هل أدركَ ما أخفيه بالفعل؟!..
"حسناً، أود أن أعرف ما بخلدك؟!..من تظن؟"
- لا ضرورة لذلك مادمت لم تختر أن تقول إذاً..
عيناه تقولان أنه يعرف، أجيبه ألا بأس، نحن أصدقاء وليس الأمر أنني أخفي عنك، لكن مادمت تعتقد أنك تعرف، دعني أرى كيف تفكّر؟..ولو من باب المشاركة؟
- حسناً نبدأ بالحرف...
أفكر أن تباً له!..كيف عرف؟!..ما من رابطٍ منطقيٍ يمكنه أن يتوصل به لهكذا نتيجة على الإطلاق..أنظر إلى عينيه ثابت الجنان بينما لا يبدو على وجهي أي تعبير، أستحثه على الكلام قائلاً "وبعد؟..من ببالك؟!"
- ألا يكفي؟!..أول حرف!
لنصف دقيقة أو يزيد، يظل وجهي جامداً بعناد، مع تعبيراتٍ متسائلة، أنتظر الحيرة أن تطفو على وجهه دون جدوى..ثم ألتفت مطلاً إلى الخارج من نافذة سيارته..
أسأله مبتسماً: "كيف عرفت؟!"..لينفجر كلانا ضاحكين..

السبت، 13 أكتوبر 2012

أعصابكم أيها الثوار!!

يقرر الرئيس دعوة مجلس الشعب للانعقاد، تحتج الدستورية وتنصب المكلمة في الاعلام، ينزل مؤيدوا الرئيس إلى الشارع..
ثم يتراجع الرئيس..
يقرر الرئيس تعيين النائب العام سفيرا بالخارج، يحتج من القضاة من يحتج، ينزل مؤيدو القرار ومعارضو الرئيس إلى الشارع، معركة تنصب في ميدان التحرير ويلعب السيد النائب دور المتأهب للشهادة بحديثه عن الاغتيال..
وبعد اجتماع مطول يتراجع الرئيس!

كم درس نحتاج لنتعلم أن تأييد موقف سياسي ما يجب أن يعطى حجمه الصحيح؟
لأي شئ كان الجرحى وخسائر الأمس؟..بغض النظر عن الموقف السياسي، فكل ما يحدث في الميدان يتحمله الثوار المتصارعين اليوم، أنتم تقتتلون على لعبة سياسية حلها يكون في الأروقة والغرف المغلقة..وليس في الميدان..

هل يظن أحد أنه لو أن الاخوان احتلوا ليلة أمس ميدان التحرير لكانت نتيجة اجتماع اليوم مختلفة؟..قطعا لا!..بكل تأكيد!
***
يؤسفني تكرار تراجع الرئيس أمام القضاء، وإن كان ذلك لا يعيب أبدا من حيث الأصل، لكنني كنت اتمنى أن تكون مواقف الرئاسة قائمة على أرض صلبة أكثر، لنؤيدها بثقة أكبر..لكن ربما للرئيس حساباته، ربما يصدر هذه القرارات لتحريك الماء الراكد، لاجبار الهيئة القضائية على الاجتماع به والتفاوض، لأي سبب كان..لكن السؤال هو: ما الداعي للتغطية على ما يفعله الرئيس بهذا الصخب في الشارع؟!

أليس الأجدر بكل هذه القوى أن توفر جهدها ودمها؟..ألا تعتقد هذه القوى المتصارعة من الجانبين أن لجماهيرها طاقة محدودة، وأن طول الصراع العبثي في الشارع بلا طائل لن يؤدي في النهاية إلا إلى انفضاض الجماهير من حولها؟!

الثلاثاء، 9 أكتوبر 2012

تباً للعالَم...

تبدأ البرامج ومحاولات المبرمجين عادة ببرنامج تجريبي شهير هو (Hello World) ويعرّب في كثير من الأحيان بـ"أهلا بالعالم"..لا يفعل هذا البرنامج شيئاً سوى طباعة هذه الرسالة على شاشته..
لكن ماذا عن متمرد يود أن يبدأ ممارسة تمرده بحركة تجريبية؟..لا شك أنه سيبدأ دائماً بـ"تباً للعالم"..

لكن، وكما في عالم البرمجة، حيث يتوقف الشخص غير الشغوف حقيقة عند حدود (أهلا بالعالم)..فإن أدعياء التمرد دائماً ما يتوقفون عند (تباً للعالم)، أغلب المتمردين المعروفين هم من ذوي التمرد الشكلي، لا شئ حقيقي فيما يفعلون سوى شعارات ومظاهر، عناد في نقاط ربما لا تستحق كثيراً من العناء..ربما لهذا هم معروفون، فمبدأ (خالف تعرف) يعمل حقيقة، ومن كان غرضه أن يُعرف فلن يتكبد عناء تمرد حقيقي وتحدٍ يحتاج منه إلى صمود وخوض لمساحات مظلمة في هذا العالم، إذا كان يستطيع تحقيق الشهرة بأشياء أكثر بساطة بكثير!

استرعى انتباهي أمس، فيديو لرجل رأيت أنه متمرد حقيقي، أراه يستحق أن يكون رائداً في هذا العصر، استطاع حقيقة أن يعيش ويتكيف رغم رفض العالم الحديث له، "تباً للعالم"، لم يقلها بلسانه وانما بأفعاله، ثم ذهب يعرض أفكاره وما فعل مجدداً أمام هذا العالم، كأنما يقول له: "انظر وتعلّم إذاً يا مسكين!"..

كم أحسد هذا الرجل على قوته!

الاثنين، 8 أكتوبر 2012

المرة الأولى

تسألني "لم تفعل ذلك؟!"
حسناً يا صديقي، هل تذكر ذلك الشغف؟..خطواتك الأولى، تفعل هذا الأمر لأول مرة، أمر ما طالما نظرت لمن يفعلونه باعجاب وتمنيت أن تكون مكانهم..أنت اليوم بطل المشهد!
هل تذكر هذه الفرحة؟..عندما امتلكت لأول مرة ما حلمت طويلاً بامتلاكه، صرت سعيداً به، تلتفت نحوه، تتحسسه كلما مرت برهة من الوقت.

هل تذكر المرة الأولى التي حملت فيها مفتاح منزل والديك؟..كيف شعرت بكونك بالغاً موضع ثقة؟
هل تذكر أول ساعة يد امتلكتها؟..أول هاتف محمول؟..هل تذكر كم قضيت من الوقت تعبث به؟
هل تذكر أول صلاة؟..أول رمضان تصومه؟..
أول راتب تستلمه في أول وظيفة؟..أول مرة قدت فيها السيارة؟

يغيب هذا الاحساس لاحقاً باعتياد ما تفعل، تألفه بطبيعة الحال، ويصبح تكراره في أحسن الأحوال، جزءاً من الروتين لا تلقي له بالاً..تبحث عن الجديد، ثم تنتشي بتجربته، ثم تألف ما سبب لك هذه النشوة، لتبحث عن غيره..

أودى هذا الشعور بحياة الكثيرين، فبحثاً عن هذا الشغف، سقط البعضُ من الطائرات، أكل بعضَهم الوحوشُ والكواسر، أدمن بعضهم المخدرات، غرقَ بعضُهم في البحار، وقُتِل آخرون في معارك مختلفة التوصيف..انهم هؤلاء المغامرين الذين لم يتوقفوا أبداً عن اختراق الحجب، تجربة الجديد كان هدفهم ولم يوقفهم أي شئ، هم ماتوا كما يموت الناس، هم غالباً نادمون على بعض تجاربهم الآن، ربما كان يجدر بكثير منهم أن يتحلى بشئ من التعقل..

لكنك يا صديقي على النقيض، رغم قدرٍ من روح المغامرة تحليتَ به، تقل مع الوقت خياراتك، لتجد أنك رغم كل ما جربته في هذه الحياة، تقف الآن سئماً، تبحث عن أي جديد..والحقيقة التي ربما لا تخفى عليك وإن كنت تنساها، أن ما لم تجربه أكثر بكثير مما جربته، لكنك حددت أفكارك في محيطك الخاص، والذي ربما يكون أضيق مما تتصور!

وما بين الموت والحياة، والخطر والسلامة، تحتار..وتقف حائراً أمام أسئلةٍ تتكرر في كل موقف: هل يستحق الأمر مخاطرة؟..
وبين أن تموت جاهلاً بعد وقتٍ ما تأمل أن يبلغه أجلك، أو احتمال ما -كبر أو صغر- لموتك الآن بينما تتعلم..تتوقف!!..لتتساءل عن قيمةِ ما سوف تتعلم من هذه التجربة..

والحقيقة أن أجلك المكتوب لن يقدم موعده تهور ولن يؤخره تخاذل، لكنك إما أن تموت عارفاً، مجرباً، بطلاً إن شئت..أو تموت سئماً، وربما تموت سأماً، بعد حياة مملة عشت فيها شيخاً لم يتمتع بحكمة الشيوخ لأنه أحجم عن تجارب الشباب..

يا صديقي، أنا أفعل ذلك لأنني أفضّل الموت على الهرم..

الخميس، 4 أكتوبر 2012

أماكن

أعيش غريباً منذ الولادة، ولدت في العالم الجديد، حيث الكل غرباء، محاط دائماً بمن يراني "آخر"..
لست مطروداً ولست لاجئاً ولست ضائعاً، ولست حتى فقيراً معدماً في بلدي، انما أرتحل ويرتحل أهلي خلف الرزق، سواء كان ذاك الرزق علماً أو مالاً أو صحبة..قدّر لنا أن تتناثر أرزاقنا في هذا العالم..بعض الناس تأتيهم أرزاقهم من حيث تناثرت، وآخرين يرتحلون وراءها..
اعتدت هذه الحياة على أي حال، حتى بتّ أتصور هذا العالم صغيراً بالنسبة لي!..عالمٌ ضيق، إلا أن العمر قصير بما لن يكفي لرؤيته كاملاً..للأسف..

لستُ كثير الأسفار على أي حال، أقيم في جدة، الحجاز، بشكل أساسي منذ أكثر من عشرين عاماً، أنتهز كل فرصة للسفر، أحب اكتشاف الجديد، لكنني أهتم أكثر بتفاصيل المكان، والبشر، لست أسافر لتسجيل النقاط، فهذه تركيا، وهذه الكويت، وهذه مصر، كطريقة كثير من السياح، انما السفر هو ذاك الحي الذي أقمت فيه، وتلك المساحة التي أحطت بها كما أحاطت بك، تلك الخطوات وحدها هي ما أضيف إليك، وليس عدد الأختام في جواز سفرك!

ربما لهذا كنت أسخر من بعض السائحين العرب قائلاً: ذهبتَ إلى اسطنبول فبقيت في شارع الاستقلال، والى القاهرة حيث شارع جامعة الدول، والى باريس لتجلس في مقاهي الشانزيليزيه، وتقيم تقريباً في سوليدير بيروت، تجلس في نفس المقهى في نفس الشارع، وفي كل مكان من هذه الأماكن كان يؤنسك مواطنوك الجالسون من حولك، ماذا كان عليك لو بقيت ببلدك في مقهاك المفضل في شارع التحلية؟..

لم أسافر من قبل في فوج سياحي، ولا أتمنى ذلك، فمهما سعدت بما سأراه في ذلك الفوج، سيظل احساسي حاضراً، بأن هناك من قرر لي أن أرى هذا، وهناك من خطط لي خط سيري، وهذه الأشياء هي تفضيلات شخص ما، لم يكن أنا بالتأكيد!..

أجمل رحلاتي هي رحلة مفاجئة، أحمل حقيبتي وأسير مع صديق لي، نتسكع ونبحث خياراتنا بأنفسنا..بعيداً عن تلك الشوارع السياحية، الاستهلاكية، المتشابهة في كل بلد إلى حد الملل، وإن كنا نمر بها ولو بدافع الفضول، آداء الواجب أوتسجيل النقاط، فقط لأجل تلك الجملة القاتلة: "لا يعقل أن تذهب إلى اسطنبول ولا ترى شارع الاستقلال".."مصري ولا تعرف شارع جامعة الدول العربية؟!"، قد تضيع يوما من نزهتك لرؤية ما نراه في كل مدينة، لا بأس على أي حال..مادام مزاجك المستقل قد أبقى لك وقتك الخاص ومشاهداتك الخاصة..

قد أكتب هنا يوماً عن رحلتي إلى آخر العالم، وقد أكتب عن حي سكنته يوماً..سأحدثكم عن الأماكن..

السبت، 29 سبتمبر 2012

نصر الشناوي

لم أكن أريد أن أكون متوقعاً إلى هذا الحد!
أن أروي عن أبي قبل أن أروي عن غيره من الوجوه، أمر متوقع جداً بالطبع، لكنه الأوفق بالتأكيد..
فقرب العهد به ورحيله عن عالمنا هو سبب، والسبب الآخر هو أن ما سوف أرويه عنه، سيفسر كثيراً مما سأرويه عن غيره!

بالطبع، فالأب هو النموذج الأول لكل طفل، عما يجب أن يكون عليه الرجل، وما يجب أن يكون عليه عندما يبلغ مبلغ الرجال، وهكذا كان أبي لي.
أنا أول أولاده، ابنه الأكبر، رأيته في الثلاثينيات من عمره عندما كنت طفلاً، كان شاباً لا يزال، رياضياً مفتول الساعدين، يعرف كل شئ، كاعتقاد أي طفل عن أبيه..لكنني حقيقة أرى اليوم، كم كنت محظوظاً بأب يعرف ما عرفه أبي، رغم أنني أعلم أنه لم يكن يعرف كل شئ كما ظننت يوماً!

يأخذ الفتى عن أبيه فكرة عامة عن الحياة، منها ينطلق ولا ينفك عنها إلى مماته، كما يأخذ عنه شيئاً من سمته وسلوكه، إن أكثر ما يذكرني بأبي هو أنا، تصرفاتي العفوية، يقلد صديق لي طريقة كلامي ممازحاً، فأجده يكرر بيديه حركة طالما رأيت أبي يؤديها في نقاشاته الجدية، وفي وقت أقع تحت ضغط ما أجد نفسي أكرر عبارات قالها، وانفعالاته..

كذلك فأثره واضح جدًا لي في كثير من مواقفي اليوم، أبرزها اتجاهي للقضية الفلسطينية ودعمها، يسألني الناس، لم أنت مهتم بهذه القضية؟..أسرد كل ما لدي من حجج فأجدها معروفة ولا حاجة لسردها!..ولا رد لديهم عليها أيضا لكنهم يسألون..وقتها أعرف أن الأمر فقط، هو أنهم لم يحظوا بما حظيت به!..

دعني أقول لك يا صديقي، وبغض النظر عن تمرد الأبناء الدائم، تحت شعار (لن أعيش في جلباب أبي)..إلا أنك -يا فتى- تحاكي جلباب أبيك في كثير من سماته، يوم تفصّل جلبابك الخاص!..وإن لم تفعل، فقد قصّر أبوك في حقك ولا شك!


أفكر أحياناً، أسأل نفسي "ما أهم ما فعله أبي لي؟"، فأجد كثير من التصرفات يمكن اختصارها في "صحبته لي منذ الصغر"..
اصطحابه لي لممارسة رياضة الصباح، مع أصدقائه الـ(كبار)..
اصطحابه لي إلى مجالس الرجال، عضواً مشاركاً كأي أحد منهم..
قراءتي لكتبه ومجلاته الجادة منذ صغري، نقاشه لي الذي لم يكن يمانع أن يلعب فيه دور المتعلم أحياناً، فيسألني في المسألة أو يطلب مني أن أبحث له في أمرها..
عندما أنظر خلفي أتساءل، هل فعل ذلك لأن أحداً علمه أثر هذا الأمر تربوياً؟..أم أنه فخر الوالد الفطري والطبيعي بأبنائه؟


ان أكثر ما أنا ممتن له هو هذه الصحبة، أذكر كيف كان يوقظني في صباحات بعض الأيام باكراً، لأركض معه في الشارع، أو لنذهب سوياً إلى ملعب الكرة حيث كان يلعب، لاحقاً، تمردت على صحبة أبي كما يفعل كل مراهق، ابتعدت بقدر ما، لم أحب كرة القدم، فبحثت عن ألعابي الرياضية الخاصة بي، شجعني أبي، وربما انضم هو إلي، وبحثت عن أتراب لي، لكنني إذ أنظر ورائي أجد أنني يوم اتخذت لنفسي صحبة، صرت وإياهم كصحبة أبي وأصحابه!

لم ألعب لعبته لكنني ألعب كما لعب، لم أصادق أصدقاءه لكن اخترت صداقة من يشبهونهم، لم أصبح هو، لكنني -بكل فخر- ابنه!

مخطئ ذلك الذي قال (إن كبر ابنك خاويه)..كلا يا سيدي، لا تنتظر حتى يكبر، إذا كبر فسوف يتمرد عليك، أدرك صداقته منذ صغره!
عرف أبي ذلك، فكم أنا محظوظ!

قامت ثورة 25 يناير ولأبي ثلاث أبناء شباب، في ثلاث مدن من مدن العالم الواسع، لكن كل واحد منهم نزل إلى ميدان مدينته بلا اتفاق بينهم ولا تشاور ولا استئذان، وكان من نصيب الأصغر أن يكون في ميدان التحرير..هم ثلاث أبناء، إن كان فيهم من الخير شئ اشتركوا فيه، فمن زرعه هو رجل واحد..
رحمة الله عليه..

الجمعة، 17 أغسطس 2012

نهاية وبداية

الليلة الأخيرة، أو ربما الساعات الأخيرة، من رمضان..
وأهم أحداثه هذه السنة، بالنسبة لي، هو وفاة والدي رحمه الله عليه، وأنني سوف أستقبل العيد دونه.

لا أذكر من قال لي يوما: "يعيش الانسان طفلا، حتى إذا مات أبويه شاخ فجأة"..لا أعلم ان كان صدق، لكن التغير الشديد الذي يطرأ على الانسان يجعل هذه المقولة حاضرة في ذهني بينما أتكلم..

عانى رحمه الله كثيرا وتألم، لكنه كان صابرا كالجبل، مع ذلك كنا ننتظر شفاءه، كان قد تماثل للشفاء فيما نرى، وكان يجمعنا حوله، فالنهاية قريبة فيما يرى..وما من نهايات انما هي مراحل..

أن تكون حزينا..

مع اقتراب الفجر تلح علي الأفكار والصور..
"اتصل بالدكتور يا أحمد، أبوك تعبان ومش عارفة أعمل ايه"..
ضغط الدم غير مقاس..
محاولات لتركيب محلول الملح تفشل دائما..
طلب الاسعاف..
أحمله إلى السيارة مع المسعفين، أنظر إلى وجهه من فوق كتفي، أراه هادئا كأنما لا يعنيه شئ..
"وحدك تأتي معي"..
CODE BLUE
يخرجني مسؤول الأمن من غرفة الانعاش..
"لا يبدو الوضع جيدا، يمكننا مواصلة الانعاش إلى مالا نهاية، لكن إذا لم يستجب في نصف ساعة فلن يستجيب، ونحن نقوم بذلك منذ ساعة ونصف!"
أذان الفجر..
"البقاء لله"..

هكذا يختطف الموت البشر إذا..تكون غافلا عنه، ناسيا له..حتى إذا ألم بك تجاهلت كل علامات الاحتضار، هكذا كان حالي أنا معه..صامت تماما في حضرته، لكن رأسي يمتلئ بالصراخ..
"عن أي شئ يتحدثون؟..مجرد انخفاض في الضغط، هل عجزتم أيضا عن اعطائه محلول الملح؟!"

أستأذن الطبيب داخلا إلى الوالد لألقي نظرة، لا يبدو لي ميتا..ليس إلا أن أوقظه!..أناديه فلا أعرف صوتي..أحاول أن أكلمه فأصمت..
يخرجني الطبيب، يطلب مني الجلوس قليلا ثم احضار أوراقه الثبوتية لانهاء الاجراءات..

بطريقة ما أنتقل إلى البيت وأنا أحمل الجبل على رأسي..
"ماذا أفعل؟".."كيف أعود بدونه؟".."ماذا سأقول؟"

أن تكون راضيا..

"فإن مع العسر يسرا"
لا أظن كربا قد مر بي يوما بهذا الثقل..لكن الله أعانني ولطف بي حتى رضيت..

أن تؤدي أمانة أبيك، فتدفنه كما أوصى، ومع أول فرض صلاة، وتغسله وتلحده بيديك كما أوصاك، عن غير خبرة سابقة بما تفعل، وتتفتح لك كل الأبواب المغلقة في كل مكان، ويسهل لك الجميع آداء مهمتك كأنما هي تؤدى عنك..
يطيعك أكثر الناس تسلطا، ولا يستوقفك أكثرهم تعنتا، الطرق مفتوحة، وكل أحد وشئ يعاونك..

تحمل أباك فكأنما هو محمول عنك، لقد كان ثقيلا، منذ شهرين حملته بينما كان فاقدا الوعي، لم أستطع تحريكه واضطررت للوقوف حتى أفاق، يومها تطير جنازته من فوق أكتافنا وما نحن إلا أسباب، لكنها حملت عنا..

تغسله بنفسك كما أراد، لا يدخل إليه غيري وأخي ومغسل أمين جزاه الله عنا خير الجزاء..فتراه نائما لا أكثر، تطيبه بالمسك والكافور، وتضعه في ثلاثة أكفان..

أن تظلك غيمة بعد تلقي العزاء عند المقبرة، وتطمئن أمك بمرأى المقبرة، أن تعود وقد أديت ما عليك لهذا اليوم، لتدعو الله أن يعينك فيما هو آت كما أكرمك اليوم..

كل هذا لا تغفل عنه في حزنك..فالحمد لله..

أن تكون ممتنا..

"إن مع العسر يسرا"
ترك لك أبوك الذكر الحسن، ومحبة الناس..يأتونك جماعات، ليعزوك ويؤازروك، يعرضون خدماتهم بود صادق، ولا تمر أيام حتى يعتمر عنه العشرات من أصدقائك وأصدقائه ومحبيه..

تسمع الثناء عليه والشهادة له بالصلاح وحسن السيرة، يأتيك من لم يعرف في حياته لكنهم جاؤوا لما سمعوا من حسن سيرته أو مما فعل من خير عاد عليهم يوما ما..

لا يترك الأب لأبنائه خيرا من ذلك، حتى سخر الله الخضر لأبناء العبد الصالح..لتكن ممتنا..

وإنا لفراقك لمحزونون..

لا زلت أوقف السيارة قريبا لباب البيت ربما يود أبي الخروج..
لا زلت أفكر كلما رأيت صيدلية "هل طلب شيئا؟"
لا زلت أنتظر موعد الإبرة..
لا زلت أتوهم أنه يناديني أحيانا، أو أن رنين هاتفي هو نداء منه..
وعندما يمر بي موقف ما، أفكر "ماذا سيقول أبي؟"..

***

نحن الآن بانتظار العيد، أو اليوم الأخير من رمضان، وفي الحالين أوصيكم بالدعاء، كل عام وانتم بخير..
والحمد لله رب العالمين..

الأحد، 24 يونيو 2012

صمت حذر

لا بأس، هناك الكثير مما تحقق، دعونا ننظر بشكل مختلف..
تمكنت ثورة 25 يناير من صياغة علاقة جديدة لأول مرة بين الحاكم والمحكوم في مصر، يمكن القول بأننا قطعنا المرحلة الأولى من الثورة، وربما قدر الله تعالى لنا أن تكون ثورة مركبة، كما كانت الثورة الفرنسية في مراحلها الثلاث وهبّاتها المتعددة، والتي استغرقت عقدا من الزمن..

الثلاثاء، 19 يونيو 2012

وجوه

فكرة طالما راودتني: أن أكتب عن الأشخاص..
ربما لم أفعل ذلك من قبل، وربما لا أود فعله الآن، وربما أود الحديث عن هذه الرغبة أكثر مما أود انفاذها..
كثيرا ما ألتقي بشخصيات، أجد فيها ما يدفعني للتفكير، والتوقف طويلا لتأمل هذا الانسان، أحاول تقمص دوره، استعارة عقله، قد لا يعجبني تفكيره (ليس بالضرورة)، لكنني أجد فيه قصة ما، والعبرة دائما واحدة: نحن أبناء بيئاتنا، ظروفنا وزمننا، كل منا نسيج متفرد لا يتكرر..

الأربعاء، 6 يونيو 2012

وفي انتخابات الاعادة ما يريب!

تتحدث الأخبار منذ اليوم الأول للاعادة بالخارج، الأحد الماضي، عن زيادة الاقبال على التصويت، ضحكت معلقا "نعشق الاثارة، وقد اشتدت المعركة"، لهذا السبب ربما، ذهبت بالأمس إلى اللجنة باكرا قدر امكاني، وصلت في التاسعة إلا ربع، بعد ساعة إلا ربع من فتح اللجان، كان الفارق بالنسبة لي واضحا للغاية، ما من طوابير، والساحات الخارجية لا تكتظ بنفس الصورة السابقة، المنطقة المحيطة بالقنصلية ليست على نفس القدر من الزحام كما كان الوضع عليه أثناء التصويت لأول مرة.

برر لي أحد القناصل، دون طلب مني، هذا الوضع الجديد بأنهم قد زادوا عدد الموظفين الموكلين بالجداول الانتخابية، تقبلت تبريره وإن كانت الزيادة لا تذكر، لكنني تقبلت قوله بما أننا لا نزال في الساعات الأولى لهذا اليوم، ثم ذهبت اليوم الى القنصلية مجددا في الثالثة عصرا، لتدلي أمي وأختي بأصواتهن، فأجد الوضع كما كان عليه عند ادلائي بصوتي، كما بررت احدى الموظفات بنفس الطريقة قلة الأعداد زاعمة أن هذا ظرف مرتبط بتلك الساعة من اليوم!

لست مرتاحا لهذا التناقض بين ما يعلن وما أراه، صحيح أن عددا من العوامل قد توفرت لتسهيل العملية الانتخابية أكثر، لكنها ليست كافية أبدا لاختفاء الطوابير على هذا النحو، تجربة الناخبين السابقة ربما ساعدتهم على الوصول إلى اللجنة بأوراقهم المطلوبة كاملة وعلى النحو الصحيح، نعم، زاد عدد القناصل وتقسم الجدول الانتخابي بين موظفتين أيضا، صحيح، لكن هذا كله لا يبرر قلة الحضور!!..وأنا لست مرتاحا لهذا التبرير الذي يلقن ربما لكل ناخب!

من الطبيعي في جولات الاعادة أن يقل الاقبال، حيث يحبط مؤيدي المرشحين الخاسرين ولا يهتمون بالتصويت، فما الفكرة من هذا الاصرار الذي تمارسه القنصليات والسفارات؟

مثل هذا التصرف لا يطمئن، وأعتقد أن هناك مسؤولية كبيرة على مواطني الخارج أن يتحملوها وأن يسعوا لحماية أصواتهم، وأن يتحركوا من الآن إلى يوم السبت القادم (نهاية الانتخابات)..


السبت، 26 مايو 2012

خمسة أسباب لأصوت لمرسي في الاعادة

لم أرد التصريح بمن انتخبته عندما رويت كيف قمت بالتصويت في الخارج، حسنا كان الدكتور ابو الفتوح من رأيت فيه ما قلته، على أي حال، وككثير من الناس، لا أخفي صدمتي فيما يتعلق بمؤشرات نتائج الانتخابات، بالطبع فقد قررت الانحياز للدكتور مرسي في الاعادة، وإليكم ما لدي من أسباب:
  1. ليست لديه ضغينة شخصية ضد الثورة والثوار، بالتالي فهو أبعد -منطقيا- عن محاولة الانتقام، لاحظ -عزيزي القارئ - أن انتقام الزعماء عادة ما يكون جماعياً، بمعنى أن المتضرر من فوز منافس مرسي لن يكون بالضرورة من الثوار حصراً..
  2. ليس صاحب سوابق سيئة كمنافسه: مهما كانت مآخذك على الاخوان ومواقفهم، فتاريخ مرسي الشخصي لا يقارن بمنافسه!
  3. لو وصل مرسي إلى الرئاسة سأطمئن لوجود آلية تداول للسلطة حقيقية في مصر، وأننا نستطيع -على الأقل- تعيين وعزل الرؤساء عن طريق صناديق الاقتراع (من الواضح بالنسبة لي أن المجلس العسكري يدعم منافس مرسي، هل يمكننا بالفعل مخالفة ما أريد لنا؟)
  4. تفاديا للمناكفات وتصفية الحسابات بين السلطة التشريعية ومؤسسة الرئاسة، ستتسم هكذا مناكفات في حال خسارة مرسي بالطابع الانتقامي ولن يكون ضحيتها إلا عموم الشعب.
  5. هي فرصة سعيدة ليتولى الاخوان السلطة بتكاليفها، إما أن ينجحوا ويستمروا عن استحقاق أو ينكشفوا ويصبح اسقاطهم مبررا تماما في نهاية الدورة الانتخابية.

الاثنين، 14 مايو 2012

نعم، أتغير...

من قبيل الصدفة وجدت سلسلة قد بدأت منذ أيام للدكتور سلمان العودة، بدأت بحلقة عن التغير الذي يعتري البشر..واستعرت عنواني من وسمه الأول..
قُل لِمَن يَبكي عَلى رَسمٍ دَرَس واقِفاً ما ضَرَّ لَو كانَ جَلَس
هكذا سخر أبو نواس من امرؤ القيس، في قوله (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل)..يبدو لي أبو نواس أهوجاً لا يقدّر جلال اللحظة والوقفة!

تلك الوقفة التي يقفها كل منا لينظر لما وراءه، لن ترى بعيدا إن كنت جالسا يا أبا نواس!..قف لتنظر إلى كل ما وراءك يا رجل!..كل ما فاتك وكل ما ضيعت..انظر كيف كنت جاهلا، وكيف أصبحت اليوم.

إن وقفت هذه الوقفة بصدق، فصدقني، لن تكون اليوم أبدا مسكونا بالثقة، إذا رأيت كل أخطاء الماضي، والتي ارتكبتها بكل ثقة واصرار وكل ما دافعت عنه بثقة عمياء، فلا شك يا صديقي أنك تعلم أنك -لا تزال- نفس الشخص، وموقفك الجديد قد لا يختلف في صوابه وخطئه كثيرا عن كل هذه السفاهات التي دافعت عنها قديما!

هل كانت الثقة تريحك؟..ربما!..فذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم، كما قال المتنبي، والراحة ليست مما يتمتع به أصحاب العقول، فالعقل ميزة يتمتع بها الانسان، وهذا الانسان قد خلق في كبد!
مشكلة العالم أن الأغبياء والمتشددين واثقون بأنفسهم أشد الثقة دائما، أما الحكماء فتملؤهم الشكوك - برتراند راسل
ربما لذلك تجد دائما، ذلك الفارغ المنتمي إلى عصر فاشل، يقف منتصب الهامة ويعطي الوعود بلا حساب، تعلم أنه لن يفعل، يتكلم عن انجازاته السابقة في عصر لو كان فيه انجاز لما وقف اليوم مثل هذا الموقف أصلا، وعوده وهمية كانجازاته وحججه أتفه من أن تناقش، لكنه قادر على التبجح بها طوال الوقت!..تعلم يا صديقي عمن أتكلم، لا تتصنع البراءة،  ولا أظن أحدا يرى ما أراه يريد أن يكون مثل هذا الشخص..

لذلك توقف وانظر لما خلفك، انك في مأزق حقيقي يا صديقي إن لم تمتلئ بالشك، كم شخص كان مثلا يحتذى في حياتك سقط؟..كم شخص كان في عينك نجما، انطفأ؟
كم فكرة دافعت عنها منذ ثلاث سنوات، صرت تراها اليوم سطحية سفيهة؟..كم تصرف كنت لتفعله منذ خمس سنوات، صرت اليوم تراه سخافة؟..
كم شخص كنت تستمع إليه كالتلميذ، صرت اليوم ترى ما يقوله (غير مفيد) أو (لا جديد فيه)؟

لا تخطئ خطئي بتحريك رأسك موافقا لكلامي بينما لا تشعر بما أقول فعلا!!..هكذا فعلت أنا في أول مرة قيل لي هذا الكلام!
اقلق يا رجل، أنت الآن على مفترق طرق، إذا كنت تشعر بما أقول، وانتابك الفزع وأنت تنظر وراءك وتستعرض ما جرى وكيف كنت، فانتبه ألا ضمان لك بأن لا يكون عقلك الجديد -أيضا- سطحيا، سفيها خاطئا، لا تكن واثقا اليوم كثقتك في نفسك أول مرة، فلا زلت نفس الشخص يا صديقي، لا تزال نفس هذا الانسان..أما إن كنت لا تشعر بهذا الفزع فمصيبتك أعظم!!..ماذا تعلمت من سنوات عمرك إذاً وأي تغيير أحدثته فيك الأيام؟!

افترض الآن يا صديقي أنك قد وصلت إلى حالة من ثلاث، كلها غير مريحة، سامحني لم أحذرك قبل القراءة، عمداً، حتى لا تعيش بسلام..

فأما الحالة الأولى: أنني دفعتك للتشكك أخيرا، ورغم أنني هدمت سلامك الداخلي، إلا أنك ربما ممتن، هكذا أشعر تجاه من فعلوا بي هذا ولا تسألني عن التفسير، ولا تسألني ان كنت الآن على الطريق الصحيح..

وأما الثانية أن أكون قد أعدتك إلى شكك القديم، شك في شكك يا صديقي..هل تغيرنا إلى الأفضل فعلا أم إلى الأسوأ؟
هل ظلمنا من أسقطناهم من حساباتنا؟..هل تكلموا بالصدق فرفضناه اتباعا للهوى؟..
وإن كنا على صواب، هل من نوليهم ثقتنا اليوم وأحطنا أنفسنا بهم، على صواب أيضا؟
هل ما نسخر من سطحيته اليوم هو صائب في بساطته؟..هل نحن نضلل أنفسنا بالتعمق؟..لا تغتر بعمق فكرتك (إن كانت عميقة بالفعل)، وانتبه، فقد لا تدرك عيناك الفرق بين فكرة عميقة وفكرة عقيمة..

إنك لست حكيما -بالضرورة- يا صديقي المتشكك، فكل حكيم متشكك، وليس كل متشكك حكيم، لكنك بالضرورة في مأزق، كما هم كل الناس..

وأما الثالثة، أنك تتمنى قتلي، حتى لا أقول هذا ثانية، وليبقى عالمك بسلام لا ينغص صفوه أمثالي، معسكرك كبير على أي حال فلا تتعب نفسك بمهمة قد يقوم بها عنك ألف ألف واحد..والسلام..

السبت، 12 مايو 2012

غزوة الصناديق

بالنسبة لي، لم يكن من بأس بهذا العنوان، فبغض النظر عما يقوله الشعب للدين، أجد أن آداء الأمانة تجاه بلادنا وأهلنا هي جهاد..

أكتب هذه السطور في اليوم الثاني من أيام التصويت للمصريين بالخارج، وربما أطيل في هذه التدوينة لأن هناك الكثير مما يقال، نعم، من الأمس الى اليوم، بل من أمس الأول، هناك الكثير من المشاهدات، والاستنتاجات، والأفكار طرأت في بالي، أود ترتيبها هنا ومشاركتها..

أود ابتداء أن أحيطك علما أنني سأقول في هذه التدوينة:
  • كيف تجري الأمور في انتخابات الرئاسة للمصريين بالخارج، وملاحظاتي على تنظيم عملية الاقتراع
  • حيثيات اختياري لمرشح بعينه (أهم ما أرى وجوب توفره في أي مرشح)
  • ملاحظات حول سلوك عموم الناس

الجمعة، 11 مايو 2012

أهلا بكم مجددا..

أعود إلى التدوين بعد انقطاع طويل، لم أكن أنوي العودة في الواقع، يتسرع الانسان كثيرا، يخطئ كثيرا، ينظر خلفه فيجد بعض ما كتبه يرضيه لا يزال، والبعض الآخر كان مفتقرا إلى النضج، أو العمق، فأقول لو أنني استقبلت من أمري ما استدبرت لما تسرعت بهذا الكلام..
لا أعدكم بعودة أفضل، فالواقع أنني عدت رغم أن كل ما جعلني أتوقف لا يزال قائما، أحتاج إلى الكثير، لا شك لدي في ذلك، لكنني بكتابتي أحرق المراحل واختصر المسافات على نفسي، في عملية التعلم وتنظيم الأفكار، لا يكفيك مجرد التأمل في الهواء، فالفكرة مالم تصطدها، تقيدها مكتوبة، وتعرضها للنقد والرد، تظل ضلالات وأوهام..وما أكثرها اليوم..
لكن حالي اليوم أفضل، لا أظن أنني سأعود لبكائيات الأمس، وحسرتنا من نظام يبيعنا ويتمنن علينا، لقد سقط، فالمنطقي أن حديثنا اليوم (بوصفي واحد من قومي) صار ذو قيمة أكبر، تسعدني تلك الفكرة وتشجعني على العودة، لكن شبكات التواصل الاجتماعي تقوم بهذا الغرض تماما، فيما تترك لي سلبية واحدة، هي تشتت الأفكار والغرق في المعلومات أكثر من اللازم..
سأعود إلى هنا كلما أردت أن أكتب (القصة الكاملة) كما أراها، كل معلوماتي، وبنائي المنطقي، ما أعرفه وكيف أربط بين عناصرها، أشاركها مجددا، وأفتح صفحة جديدة، عفا الله عما سلف :)