الاثنين، 8 أكتوبر 2012

المرة الأولى

تسألني "لم تفعل ذلك؟!"
حسناً يا صديقي، هل تذكر ذلك الشغف؟..خطواتك الأولى، تفعل هذا الأمر لأول مرة، أمر ما طالما نظرت لمن يفعلونه باعجاب وتمنيت أن تكون مكانهم..أنت اليوم بطل المشهد!
هل تذكر هذه الفرحة؟..عندما امتلكت لأول مرة ما حلمت طويلاً بامتلاكه، صرت سعيداً به، تلتفت نحوه، تتحسسه كلما مرت برهة من الوقت.

هل تذكر المرة الأولى التي حملت فيها مفتاح منزل والديك؟..كيف شعرت بكونك بالغاً موضع ثقة؟
هل تذكر أول ساعة يد امتلكتها؟..أول هاتف محمول؟..هل تذكر كم قضيت من الوقت تعبث به؟
هل تذكر أول صلاة؟..أول رمضان تصومه؟..
أول راتب تستلمه في أول وظيفة؟..أول مرة قدت فيها السيارة؟

يغيب هذا الاحساس لاحقاً باعتياد ما تفعل، تألفه بطبيعة الحال، ويصبح تكراره في أحسن الأحوال، جزءاً من الروتين لا تلقي له بالاً..تبحث عن الجديد، ثم تنتشي بتجربته، ثم تألف ما سبب لك هذه النشوة، لتبحث عن غيره..

أودى هذا الشعور بحياة الكثيرين، فبحثاً عن هذا الشغف، سقط البعضُ من الطائرات، أكل بعضَهم الوحوشُ والكواسر، أدمن بعضهم المخدرات، غرقَ بعضُهم في البحار، وقُتِل آخرون في معارك مختلفة التوصيف..انهم هؤلاء المغامرين الذين لم يتوقفوا أبداً عن اختراق الحجب، تجربة الجديد كان هدفهم ولم يوقفهم أي شئ، هم ماتوا كما يموت الناس، هم غالباً نادمون على بعض تجاربهم الآن، ربما كان يجدر بكثير منهم أن يتحلى بشئ من التعقل..

لكنك يا صديقي على النقيض، رغم قدرٍ من روح المغامرة تحليتَ به، تقل مع الوقت خياراتك، لتجد أنك رغم كل ما جربته في هذه الحياة، تقف الآن سئماً، تبحث عن أي جديد..والحقيقة التي ربما لا تخفى عليك وإن كنت تنساها، أن ما لم تجربه أكثر بكثير مما جربته، لكنك حددت أفكارك في محيطك الخاص، والذي ربما يكون أضيق مما تتصور!

وما بين الموت والحياة، والخطر والسلامة، تحتار..وتقف حائراً أمام أسئلةٍ تتكرر في كل موقف: هل يستحق الأمر مخاطرة؟..
وبين أن تموت جاهلاً بعد وقتٍ ما تأمل أن يبلغه أجلك، أو احتمال ما -كبر أو صغر- لموتك الآن بينما تتعلم..تتوقف!!..لتتساءل عن قيمةِ ما سوف تتعلم من هذه التجربة..

والحقيقة أن أجلك المكتوب لن يقدم موعده تهور ولن يؤخره تخاذل، لكنك إما أن تموت عارفاً، مجرباً، بطلاً إن شئت..أو تموت سئماً، وربما تموت سأماً، بعد حياة مملة عشت فيها شيخاً لم يتمتع بحكمة الشيوخ لأنه أحجم عن تجارب الشباب..

يا صديقي، أنا أفعل ذلك لأنني أفضّل الموت على الهرم..

هناك تعليقان (2):

  1. حاولت أن لا أجعل كلماتك تستفزني .. لكنني لم أنجح .. جعلتني أفكر بالعودة للكتابة .. بعد زمن طويل من اعتزال الفن ..

    "أنا أفعل ذلك لأنني أفضل الموت على الهرم" .. وأنا أضيف "أنا أفعل ذلك لأنني أحب أن أموت سعيدة حرة وبكرامتي بدلا من الموت في الذل" ..

    لا أذكر أول مرة كتبت فيها .. كنت أكتب عن حبي لفلسطين الحبيبة .. لكن عندما وجدت أن الكلمات لم تفعل شيئا مللت من الكتابة وتوقفت عنها .. لم أعد أؤمن بالكلمات .. لكن كلماتك تبدو منعشة .. شكرا لك :)

    شيماء

    ردحذف